أن فيصلاً كان أكبر من كل الجامعات فقد كان أمة لوحده.. تغمده الله برحمته.
على بوابة قصر شبرا وموقف والدي الحرج
كانت المقولة الشهيرة إذا أردت أن تضبط مواعيدك فيمكنك ضبطها بمواعيد حضور وانصراف الملك فيصل أو دقات ساعة (بيج بن) من إذاعة لندن وكان رحمه الله له خطوط سير معروفة في معظم الأحيان لاتتغير وكثيراً ما كان في موكبه الملكي أو الموكب الخاص يتفاعل مع أبناء شعبه يبادلهم الوقوف والتحية بالتحية والسلام والابتسامة.. وربما أوقف الموكب لقضاء أمر امرأة تعرضت للموكب تشكو إلى الله ثم إلى والد الجميع فيصل بن عبدالعزيز الذي امتلك قلوب الأمة قبل أن يعتلي عرش الملك وكان تغمده الله بواسع رحمته يخرج من قصر العقيق بالطائف.. الثالثة إلا ربع صباحاً بالتوقيت الغروبي التاسعة إلا ربع بالتوقيت الحالي ليصل إلى قصر شبرا في التاسعة تماماً (الثالثة) أي بعد دوام كل موظفي الدولة المفترض بساعة.. وكان كثير من الوزراء ومديري المصالح يمكنهم الحضور قبل وصول جلالته إذا كان لديهم ما يرغبون شرحه أو أنهم حضروا بناء على طلب جلالته لايضاح استفسار من جلالته وكان والدي من أولئك المسؤولين الذين قدموا للسلام على جلالته وإذ في صيف عام 1384هـ. ذهبت صباحاً مع والدي وبقيت في (السيارة) في الجهة المقابلة لباب قصر شبرا. لأشاهد وصول الملك حتى إذا وصل جلالته وترجل من السيارة (النيوكر) وسلم عليه من سلم واستلم جلالته عرائض وتظلمات الناس وسلمها للشيخ صالح العباد رحمه الله فإذا بصوت احدهم يرتفع متظلماً (أنا بالله ثم بك يا ابن عبدالعزيز) توقف الملك فيصل عند بوابة قصر شبرا وعلى درجة المدخل المرتفعة عن مدرج المركبة وتقدم صاحب الصوت فإذا به من الأخوان المجاهدين دار حديث بينه وبين الملك لم يسمعه سوى القريبين منهم وفجأة ارتفع صوت الرجل بحيث سمع كل من في الموقع (ما بلايا إلا من الشرع) عندها سمعنا صوت الملك يقول (حسبي الله عليك.. ما هنا إلا الشرع) فسقط الرجل من هيبة الملك.. وإذا (بعقال فيصل) يعود إلى الخلف مما نم عن غضب شديد حتى ظهرت عروق جبين الملك.
دخل الملك فيصل واتجه إلى مكتبه يستغفر الله لكن الناس تشاءموا من ذلك الرجل وتهامسوا أن ذلك يوم سبت نحس.. دخل والدي مع من دخلوا .. وأخذت اسمع ما يدور بين الناس من أحاديث وأن الرجل كان يطلب من الملك فيصل تشكيل لجنة لحل قضية لأن الشرع حكم عليه وضده أكثر من مرة.. جلست انتظر والدي وقد تعودت أن يمضي في القصر أكثر من اربع ساعات.. لكنه هذه المرة عاد مبكراً وطلب من السائق (عبده) التوجه إلى مكتبه بإدارة عين الطائف.. ولم يتحدث بغير ذلك.
وهو على غير عادته بقي الوالد يمارس عمله في الدور الأرضي لكنه بشكل متوتر إلى ما بعد صلاة الظهر ـ وهو موعد عودة الملك فيصل إلى قصر العقيق فإذا بالهواتف تتواصل على والدي وعندها بدأت تنفرج أساريره. إذا ما عادت نظارته إلى طبيعتها وعقاله في مكانه وخفت حدة نبرته وبينما هو كذلك وتساؤلات من الأخوان جعفر عارف وعبدالرزاق كمال ومحمد قصير فإذا بالشيخ صالح العباد داخلاً على الوالد في مكتبه وهو مبتسم قائلاً: الله يفرج همك ويسر خاطرك ياشيخ ماجد لولاك.. كان اليوم صعب ومن الحديث علمت أن والدي وقع في موقف حرج مع الملك فيصل وخلاصة ذلك الموقف أن والدي كان يحمل في جيبه تقريراً عن عيون (الوهط والوهيط) وعين الشريعة العائدة ملكيتها الخاصة للملك فيصل. وأن ذهاب والدي إلى قصر شبرا كان لاطلاع جلالته على التقرير.. لكن عندما وصل الملك فيصل إلى مكتبه وأخذ يمارس عمله أول من استدعي والدي الشيخ ماجد فيروزي، وبصوت الغضب الذي لم يعهده والدي فتقدم إلى مكتب جلالته وادخل يده في جيبه فبدل من أن يخرج التقرير ويقدمه للملك أخرج علبة (الدخان السيستاني اللف) وقدمها للملك في ارتباك كامل. فسأله جلالته (وايش ذا) قال والدي التقرير فظهرت ابتسامة خفية على وجه الملك قائلاً تقرير مخزي روح وناظر التقرير زين.
نظر والدي فإذا هي علبة الدخان الفضية فزاد ارتباكه وعاد إلى الخلف وهو في حالة غير طبيعية أخذه الشيخ محمد النويصر إلى مكتب الشيخ عبدالله كامل واسقوه كأس ماء بماء الكادي. فاستأذن وانصرف لكن ذلك الموقف خفف من غضب الملك فيصل وابتسم بعد خروج الوالد وعادت الأمور إلى طبيعتها في قصر شبرا... ذاك فيصل الذي يعرف كيف يسوس الرجال ويمتلك قلوبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الندوة الإثنين 05/06/1429هـ ) 09/ يونيو/2008 العدد : 77