الملك عبدالعزيز رحمه الله
(لمحات من حياة رجل من رجال الإسلام ، تضرب به الأمثال في عصرنا الحاضر )
ولد الملك عبد العزيز في 19 ذي الحجة بمدينة الرياض عام 1293 هـ (1876 م )
و نشأ في كنف والده ، الذي عهد به إلى الشيخ القاضي عبد الله الخرجى من أهل(مدينة الخرج) وكان مقيما بالرياض ، تعلم على يديه القراءة والكتابة وحفظ جزءا من القران الكريم وقرا عليه القران كله ، فأحسن قراءته وحفظ شيئا من الشعر والنثر القديم بجانب الأحاديث النبوية 0
ثم تلقى التفسير والحديث والفقه وأصوله والتوحيد على يد الشيخ عبدا لله بن عبد اللطيف ، ونال من هذه العلوم حظا وافرا وفي هذا الوقت أحسن استعمال البندقية وامتطاء النوق وركوب الخيل ، حتى أصبح من الفرسان وهو في سن صغيره 0كان رحمه الله ـ وهو في السابعة حاد الطبع ، دائم الحركة ،لايستطيع الاستقرار في مكان واحد فترة طويلة0
وما كان يبلغ الخامسة عشر من عمره حتى اشترك في مفاوضة محمد بن الرشيد ، وعقد الصلح معه سنة 1308 هـ (1890 م )فقد كان احد الثلاثة الذين انتد بتهم الرياض وكانت هذه أول مشاركة سياسية له ،
ثم قضت الظروف وشدتها وقوة العدو الخارج على الحكم اضطرار عبدا لعزيز الفتى إلى ترك الرياض مع أهله وان يجوب البادية موغلا في منازل أل مرة والعجمان بين برين والإحساء 0 وتعلم في البادية الكثير ، تحمل مكاره العيش ، والصبر على الظمأ والجوع ، والتعب والمبيت في العراء 0 ثم انتقل إلى الكويت بعد ماذهب الى البحرين ليرجع بأهله من البحرين فأقاموا في الكويت ، بمعية والده الإمام عبدا لرحمن رحمه الله ورى الفتى عبدا لعزيز في الكويت مدرسة جديدة تعلم فيها الكثير0
فتح الرياض0 عام 1319ه-1902م
جاءت المحاولة الأولى لاستعادة عاصمة الدولة ( الرياض ) في عام 1318هـ ( 1901م ) عندما تحرك الشيخ مبارك الصباح على رأس جيش كبير ومعه عبدا لرحمن بن فيصل لمحاربة ابن رشيد،وعندما وصل الجيش إلى (ألشوكي) في الدهناء استغل عبدا لعزيز هذه الفرصة واستطاع إقناع والده و مبارك الصباح بأن يذهب على رأس سرية من رجاله لفتح الرياض وبذلك يضطّر ابن رشيد إلى أن يقاتل بجيشه على جبهتين مختلفتين مما يضعف صفوفه ويزيد من فرص الانتصار عليه، فأذنا له بالسير إلى هناك فقطع المسافة ما بين ألشوكي والرياض في يومين . علمت حامية ابن رشيد بالأمر وخرجت للتصدي له بقيادة عامل ابن رشيد على الرياض ( عبدا لرحمن بن ضبعان ) فقاتلها عبدا لعزيز وهزمها ودخل المدينة ، ثم لجأت الحامية إلى داخل القصر ( المصمك ) وتحصّنت فيه فحاصرها الملك عبدا لعزيز وباشر في حفر نفق إلى داخل القصر وفي الجهة الأخرى دارت الحرب الطاحنة بين ابن رشيد والشيخ مبارك في مكان يسمى الصريف في القصيم على مقربة من الطرفية في 17 ذي الحجة سنة 1318هـ الموافق 7 أيار ( مارس ) 1901م ، كان النصر فيها من نصيب ابن رشيد وقواته فعاد مبارك الصباح إلى الكويت ومعه عبدا لرحمن بن فيصل الذي أرسل إلى ولده الملك عبدا لعزيز يحذره ويطلب منه ترك محاصرة الرياض والعودة بمن معه إلى الكويت خوفا عليهم من قوات ابن رشيد بعد نشوة هذا الانتصار . استجاب الابن لطلب والده وكان رأيا صائبا من الاثنين فالرأي والحكمة قبل الشجاعة ولكن الملك عبدا لعزيز لم تطل إقامته في الكويت هذه المرة بعد أن ذاق حلاوة النصر وكاد أن يصل إلى هدفه.
محاولة فتح الرياض للمرة الثانية
حاول الملك عبد العزيز استئذان والده لتكرار المحاولة وطلب منه مخاطبة الشيخ مبارك الصباح لأخذ الإذن له ومنحه المساعدة اللازمة، وتحت الإلحاح القوي والإصرار الشديد وافق الإمام عبدا لرحمن بن فيصل وخاطب الشيخ مبارك الصباح لتسهيل المهمة ،وافق الشيخ مبارك الصباح وقام بتزويده بأربعين ذلولا ، وثلاثين بندقية، وزادا يكفيه ومن معه ، وقال له مباركا خطواته : البلد بلدك، والأهل أهلك، متى ما ضاقت بك السبل عد إلينا تجدنا كما كنا. فشكره عبدا لعزيز وودّعه أجمل وداع وخرج من الكويت في أربعين رجلا من آل سعود والموالين لهم وفي الطريق انضم إليه العديد من الرجال ليصبح عدد رجاله يربو على الستين رجلا، فأكمل مسيرته حتى وصل إلى ( يبرين ) بسرية تامة، وهناك تفقّد رجاله الثلاثة والستين استعدادا للزحف على الرياض واستردادها . يقول الملك عبدا لعزيز : " افتكرنا مع ربعنا فيما نعمل، فاتفق الرأي على السطو على الرياض فربما حصلت لنا فرصة في القلعة نأخذها بسياسة، لأنه في الظاهر كانت علينا جواسيس . " وفي هذه الأثناء وصلت رسالة من الإمام عبدا لرحمن بن فيصل، قرأها الملك عبدا لعزيز ثم جمع رجاله حوله لاستشارتهم حيث قرأ عليهم الرسالة وقال : " لا أزيدكم علما بما نحن فيه وهذا كتاب والدي يدعونا للعودة إلى الكويت قرأته عليكم، أنتم أحرار فيما تتخذونه لأنفسكم، فمن أراد الراحة ولقاء أهله فإلى يساري إلى يساري . " فتواثب الجميع إلى يمينه معلنين قرارهم التاريخي بأن يصحبوه حتى يتحقق الحلم الغالي بإذن الله عندها التفت جلالته إلى مبعوث والده وقال له: " سلم على الإمام وخبره بما رأيت واسأله الدعاء لنا، وقل له إن موعدنا إن شاء الله في الرياض . "
وقد اضطر الملك عبدا لعزيز إلى إتباع سياسة التخفي نظرا للمخاطر التي كانت تحيط بهم، فأقام مع رجاله في الربع الخالي حتى تنصرف الأنظار عنهم . يقول الملك عبدا لعزيز : " أخذنا أرزاقنا وسرنا وسط الربع الخالي ولم يدر أحد عنا أين كنا ، فجلسنا شعبان بطوله إلى عشرين رمضان ثم سرنا إلى العارض . " ثم بدأ الملك عبدا لعزيز في تنفيذ خطته حيث تحرك برجاله في الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة 1319هـ ووجهته الرياض فوصل إلى مورد ( أبو جفان ) يوم عيد الفطر، وفي 4 شوال الموافق الثالث عشر من كانون الثاني ( يناير ) سنة 1902م وصل إلى ( ضلع الشقيب ) الذي يبعد عن الرياض ساعة ونصف بالإقدام، وكانت الساعة الثالثة بالتوقيت العربي (التاسعة ليلا زوالية) فترك عند الإبل والأمتعة عشرين رجلا لحراستها وليكونوا مددا وعونا عند الحاجة وقال لهم: " إذا ارتفعت الشمس ولم يأتكم خبرنا فعودوا إلى الكويت وكونوا رسل النعي إلى أبي وإذا أكرمنا الله بالنصر فسأرسل لكم فارسا يلوّح لكم بثوبه إشارة إلى الظفر ثم تأتوننا " وتقدم بالأربعين الآخرين ومن ضمنهم أخيه محمد بن عبد الرحمن وابنا عمه عبد الله وفهد آل جلوي ، فدخل بساتين نخل في شرقي الرياض يقال لها ( الشمسية ) .
يقول الملك عبدا لعزيز : " فنحن مشينا حتى وصلنا محلا اسمه ضلع الشقيب يبعد عن البلد ساعة ونصف بالإقدام، هنا تركنا رفاقنا وجيشنا ومشينا على أرجلنا الساعة السادسة ليلا، وتركنا عشرين رجلا عند الجيش والأربعون مشينا لا نعلم مصيرنا ولا غايتنا، ولم يكن بيننا وبين أهل البلد أي اتفاق . "
وفي بستان قرب بوابة الظهيرة خارج سور الرياض استبقى الملك عبدا لعزيز ثلاثة وثلاثين رجلا من رفاقه وجعل قيادتهم لأخيه محمد بن عبدا لرحمن كقوة مساندة عند الحاجة وقال لهم : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ! إذا لم يصل إليكم رسول منا غدا فأسرعوا بالنجاة واعلموا بأننا قد استشهدنا في سبيل الله ) .وتقدم بالسبعة الباقين لمهاجمة منزل عامل ابن رشيد ابن عجلان ففوجئ بما لم يكن في الحسبان عندما علم من زوجة عجلان أنه يبيت في ( المصمك ) ولا يخرج منه إلا في الصباح لتفقد الخيل، عندها أرسل الملك عبدا لعزيز في طلب أخيه محمد بن عبد الرحمن ليأتي بمن معه للتشاور فيما يمكن عمله، فدخلوا البيت متسللين وتشاوروا في تنفيذ الخطة، وكانت الساعة التاسعة والنصف عربية، والفجر يطلع الحادية عشر ، فأكل الملك عبدا لعزيز ورجاله شيئا من التمر كان هناك ثم ناموا قليلا ، وعند انبثاق الفجر نهضوا فصلى بهم جلالته وأخذ يتحدث إليهم حتى بزوغ شمس يوم الجمعة الخامس من شهر شوال سنة 1319هـ الموافق 15 كانون الثاني ( يناير ) 1902م .ثم تقدم برجاله واقتربوا من الساحة التي يتفقد فيها ابن عجلان الخيل منتظرين خروجه ، وبعد فترة بسيطة خرج عجلان من البوابة ومعه بعض رجاله فوقعت عيناه على الملك عبدا لعزيز فعرفه بهيئته وطول قامته التي اشتهر بها ، فحاول ومن معه الهرب منقلبين على أعقابهم ، فأطلق عليه الملك عبدا لعزيز بندقيته فأصابه في غير مقتل ، ثم لحق به وأدركه قبل دخوله من الخوخة ( الباب الصغير في البوابة الكبيرة ) فأمسك برجليه وتعلق ابن عجلان بيديه من الداخل ، وفي هذه الأثناء رماه فهد بن جلوي بالحربة ( الشلفا ) فأخطأته واستقرت في الباب ،عندها تمكن ابن عجلان من الانفلات والدخول إلى القصر ، فلحق به عبدا لله بن جلوي إلى الداخل ولحق به العشرة الآخرون واستطاع قتل عجلان ، ثم هجم بقية الرجال على من في القصر من الحامية فقتلوا أكثر من ثلاثين رجلا وتحصّن نحو العشرين في إحدى الجهات ، فأمّنهم عبدا لعزيز على أرواحهم واستسلموا ، فنادى المنادي : ( الملك لله ثم لعبدا لعزيز بن عبدا لرحمن بن سعود ) وجاء الناس من كل مكان وتجمعوا في قصر الحكم ، يرحبون بالأمير عبدا لعزيز ، ويبايعونه زرافات ووحدانا ، والفارس الشجاع يدعوهم إلى تناسى ماحدث في الماضي والى المحبة والتعاون والاستعداد للمستقبل 0
ولم يضيع الملك عبدا لعزيز لحظة من وقته فقام بالبناء والتحصين والاستعداد لكل مايطرا من أحداث وكتب للوالد الأمام عبدا لحمن أن يأذن لاخية سعد بالقدوم إليه ومعه نجدة من الرجال والعتاد ،ثم أرسل إلى والده بالكويت يطلب إليه العودة إلى الرياض ، فودع الإمام الشيخ مبارك ، وغادر الكويت تلبية لولده ، وبعد أيام معدودات وصل الإمام عبدا لرحمن إلى الرياض بسلام فأسرعت الوفود من كل مكان للتهنئيته والسلام عليه وتجديد البيعة لإل سعود ، ثم دعا الإمام شيوخ العاصمة وعلماءها إلى اجتماع طلب عقده في المسجد الكبير بالرياض بعد صلاة ألجمعه وقف الإمام فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله علية وسلم وأعلن أمام الجميع تنازله عن جميع حقوقه في الإمارة والإمامة إلى ابنه البار عبدا لعزيز 0
وتمت البيعة لعبدا لعزيز، وأصبح قريبا من الله فهو سيتولى أمر عباده ، متحملا مسؤولية من تولى أمرهم ، فليضاعف النشاط ، والمساعدة والتوفبق0