]معالم في الاعتصام بالسنة
لا تخفى أهمية السنة في الشرع ، ومنزلتها، ومكانتها، والسنة كما قال الحافظ ابن رجب: هي الطريقة المسلوكةُ ، فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الرَّاشدونَ، مِنَ الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السُّنةُ الكاملةُ ، ولهذا كان السلف قديماً لا يُطلقون اسم السُّنَّةِ إلا على ما يشمل ذلك كلَّه ، ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي، والفُضيل بن عياض .(1)
وعن العرباض بن سارية قال : «صَلَّى بنا رَسُولُ اللَّهِ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يا رسول اللَّهِ، كَأَنَّ ه?ذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: « أُوصِيكُمْ بِتَقَوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ والطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيّاً مُجَدَّعاً، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مْحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ».(2)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَن أحدَثَ في أمرِنا ه?ذا ما ليسَ فيهِ فهوَ رَدّ».(3) وفي رواية لمسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».(4)
فهذه الأحاديث أصلٌ في وجوب الاعتصام بالسنة النبوية ، والحذر من الابتداع في دين الله ، وأن المبتدع ضال عن الطريق الصحيح ، وعمله مردود عليه غير مقبول .
وعن حذيفة بن اليمان قال : «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْر،ِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: « نَعَمْ». قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: « نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ». قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» . قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: « نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ».(5)
معالم الاعتصام بالسنة والحذر من البدع
ومعالم الاعتصام بالسنة والحذر من البدعة تتجلى بمعرفة عشرين مقدمة(6):
1. أن دين الإسلام مبني على أصلين عظيمين ؛ الأول أن لا يعبد إلا الله وحده ، وهو معنى شهادة ألا إله إلا الله ، والثاني أن لا يعبد إلا بما شرع ، وهو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.وارتكاب الشرك ضد الأصل الأول ، وارتكاب البدع ضد الأصل الثاني ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
2. أن العمل لا يكون مقبولاً إلا إذا توافر فيه شرطان ؛ الأول أن يكون المقصود به وجه الله تعالى ، وضده الشرك بنوعيه ؛ الأكبر وهو التقرب للمخلوقين ، والأصغر وهو الرياء .
والشرط الثاني: هو متابعة النبي ( . ودليل هذين الشرطين قوله تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( . [الكهف]
قال الفُضيل بن عـياض رحمه الله في معنى قوله تعالى: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ( الملك:2 ؛ قال : أخلصه وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السنة .(7)
3. ولكي يكون الإنسان متأسياً بالنبي ( في عبادته ، فعليه أن يلاحظ أموراً ستة :
أولاً : أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها ، فأي إنسان يتعبد لله بعبادة مبنية على سبب لم يثبت بالشرع فهي عبادة مردودة ، فلو أضاف إنسان صلاة سادسة غير الصلوات الخمس لكانت عبادته هذه مردودة؛ لأن ليس لها سبب شرعي في الكتاب والسنة .
ودليل هذه الأصل قول الله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ( الشُّورى:21 ، وقول النبـي ( : «مَن أحدَثَ في أمرِنا ه?ذا ما ليسَ فيهِ فهوَ رَدّ» (8 ).
قال الألباني رحمه الله : (أي: من أحدث في الإسلام ما ليس في الإسلام في شيء ، ولم يشهد له أصل من أصوله ؛ فهو مردود ولا يلتفت إليه ، وهذا الحديث قاعدة من قواعد الدين الجليلة ، فينبغي حفظه وإشهاره في إبطال المحدثات والبدع) .(9)
ثانياً : أن تكون العبادة موافقة للشريعة في جنسها ، فلو ضحى إنسان بفرس لم تقبل أضحيته ، لأنه مخالف للشريعة في جنسها؛ لأن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم .
ثالثاً : أن تكون العبادة موافقة للشريعة في قدرها ، فلو أن إنساناً صلى الظهر ستاً ، لكانت عبادته غير مقبولة؛ لأنها مخالفة للشريعة في قدرها ، ولو طاف بالبيت ثمانية أشواط لكانت الأشواط الإضافية مردودة عليه غير مقبولة .
رابعاً : أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها (أي: صفتها) ، فلو أن إنسانا توضأ ، لكنه غسل رجليه ثم مسح رأسه ، ثم غسل يديه ، ثم غسل وجهه ؛ فهذا وضوءه غير مقبول ، وبالتالي صلاته غير صحيحة؛ لأنه خالف الشريعة في كيفية الوضوء الواردة عن النبي ( .
خامساً : أن تكون العبادة موافقة للشريعة في زمانها ، فلو أن إنساناً صام صيام الفرض في شعبان أو في شوال ، وليس في رمضان ، أو صلى الظهر قبل الزوال ، فهذا صيامه غير صحيح ، وكذا صلاته؛ لأنه خالف الشريعة في زمان العبادة المحددة لها من قبل الشارع الحكيم .
وللحديث صلة....