أهل السنة فى الصحابة
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
قال تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» الحجر
لقد جعل الله تعالى لحفظ الإسلام أسبابًا، ومن أعظم هذه الأسباب أنه اختار أصحاب نبيه فحفظوا القرآن والسنة، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقاموا بواجبهم كاملاً نحو دين الله تعالى، فبذلوا في سبيل الله كل شيء، فكانوا أهلاً لتزكية الله تبارك وتعالى إياهم في القرآن وعلى لسان نبيه ، ولذا كان من حقهم علينا أن نظهر فضائلهم، وندافع عنهم بكل ما نملك ضد أصحاب العقائد الفاسدة، فنقول وبالله تعالى التوفيق
من هو الصحابي؟
الصحابي هو كل من لقي النبي مؤمنًا به ومات على الإسلام، فيدخل في ذلك كل من لقي النبي وطالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عن النبي ومن لم يرو، ومن غزا معه أو من لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافرًا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى الإصابة ج ص لابن حجر العسقلاني
عدد الصحابة
روى ابن كثير عن أبي زرعة الرازي قوله توفي النبي ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعًا أو رؤية البداية والنهاية جـ ص
عدالة الصحابة
اتفق أهل السنة والجماعة على عدالة جميع أصحاب النبي ، وعدالةُ الصحابة ثابتةً معلومةً بتعديل اللَّه لهم وإخباره عن طهارتهم في كتابه العزيز واختياره لهم، وكذلك زكاهم النبي وبيَّن فضلهم على من بعدهم، إن كثرة الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة تقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل اللَّه له إلى تعديل أحد من الخلق
روى أحمد عن عبداللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قال إن اللَّه نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وما رأواْ سيئًا فهو عند اللَّه سيئ حديث حسن مسند أحمد جـ ص
ثبوت عدالة الصحابة في القرآن الكريم
يقول اللَّه تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْـمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» الأنفال
وقال سبحانه «وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ» التوبة
وقال جل شأنه «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» الحجرات
وقال تعالى «لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» الحديد
ثبوت عدالة الصحابة في السنة
لقد ثبتت عدالة الصحابة في كثير من أحاديث نبينا محمد ، وسوف نذكر بعضًا منها
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» البخاري ح ، ومسلم حديث
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» البخاري ح ، ومسلم حديث
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي قال «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه اللَّه، ومن أبغضهم أبغضه الله» البخاري ح
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاءنا رسول الله ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول الله «لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار» البخاري ح ، ومسلم حديث
عقيدة أهل السنة في الصحابة
أخي الكريم اعلم أن عقيدتنا هي عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم في أصحاب النبي ، ونحن بحمد الله تعالى نقبل ما جاء به كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله وإجماع العلماء من فضائل الصحابة ومراتبهم
فنحن نقدم من أنفق من قبل الفتح، وهو صلح الحديبية، وقاتل في سبيل الله على من أنفق من بعد وقاتل، وكلا َّ وعد اللَّه الحسنى
ونقدم المهاجرين على الأنصار، ونؤمن بأن اللَّه تعالى قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، ونؤمن بأنه لن يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وأن اللَّه رضي عنهم جميعًا، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة
روى مسلم من حديث جابر أن النبي قال «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» مسلم حديث
ونشهد بالجنة لمن شهد لهم رسول الله ، كالعشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم ممن عينهم رسول الله ونؤمن بأن خير هذه الأمة بعد رسول الله أبو بكر الصديق، ثم عمربن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي اللَّه عنهم جميعًا
التوقف عما شجر بين الصحابة
أخي الكريم ومن عقيدتنا أيضًا ؛ وجوب السكوت وعدم الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة، رضوان اللَّه عليهم جميعًا، وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان، ونعتقد أن فتنة الجمل قد تمت من غير اختيار من علي بن أبي طالب، ولا من طلحة بن عبيد اللَّه، ولا من الزبير بن العوام، رضي اللَّه عنهم، وأن عائشة رضي اللَّه عنها خرجت للإصلاح بين المسلمين مع العلم بأنهم جميعًا من الذين بشرهم رسول الله بالجنة فيما أخرجه الترمذي من حديث عبدالرحمن بن عوف صحيح الترمذي للألباني حديث
ومن عقيدتنا أننا نحب كل أصحاب النبي ، ولا نُفْرِطُ في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان
روى البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله متى الساعة؟ قال «وما أعددت لها؟» قال لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله قال «أنت مع من أحببت» قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي «أنت مع من أحببت» قال أنس فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر، رضي اللَّه عنهما، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم البخاري حديث
ونسأل اللَّه تعالى أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى من الجنة بحبنا لهم، وإن لم نعمل بمثل أعمالهم
ومن عقيدتنا أيضًا ؛ أن نتوقف عما شجر بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، رضي اللَّه عنهما، مع اعتقادنا أن الحق كان مع علي بن أبي طالب وأصحابه، وأن معاوية كان متأولاً في قتاله لعلي بن أبي طالب
فضائل معاوية بن أبي سفيان
وردت أحاديث في فضل معاوية بن أبي سفيان نذكر منها ما يلي
روى مسلم من حديث ابن عباس أن النبي قال له «اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل فقال لا أشبع الله بطنه» مسلم حديث
قال أهل العلم هذا الحديث من مناقب معاوية بن أبي سفيان، وذلك لما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذتيه شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة مسلم حديث
روى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله عن النبي أنه قال لمعاوية اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهد به صحيح الترمذي ح
ونعتقد أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم لم يكن على الإمامة، فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي بن أبي طالب، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي، وكذلك طلحة والزبير
أسباب الفتنة بين علي ومعاوية
اعلم أخي الكريم أن الفتنة قد حدثت عندما طلب معاوية ومن معه من علي بن أبي طالب تسليم قتلة عثمان بن عفان إليهم، وذلك لكون معاوية ابن عمه، فامتنع علي ظنًا منه أن تسليم قتلة عثمان إليهم على الفور، مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي، يؤدي إلى اضطراب في أمر الخلافة، التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام خاصة وهي في بدايتها، فرأى علي بن أبي طالب أن تأخير تسليم قتلة عثمان رضي الله عنه أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة، ويتحقق التمكن من الأمور فيها، ويتم اتفاق كلمة المسلمين ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدًا فواحدًا ويسلمهم إليهم،